نقد و بررسى آراى شيخ انصارى در كتاب المكاسب المحرمة به زبان عربى
 
 

الطليعة

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلوة والسلام على محمّد وآله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

وبعد، فقد علقّت في سالف الزمان تعليقةً على الأثر القيّم والتأليف المنفرد، كتاب «المكاسب المحرّمة» تصنيف الشيخ الأعظم وآية اللّه العظمى الفقيه المتبحّر مرتضى الأنصاري، قدّس سرّه العزيز، وهي تكون هذه الرسالة التي بين يدي القاريء العزيز.

هذا الكتاب القيّم؛ أي المكاسب، مع الجودة في البيان مغلق، ومع الحلاوة في اللسان متشابه في استخدام العبارات والمعاني، ومشكل للفهم الدقيق؛ لاسيّما بعد الإعادة والتكرّر في البحث والتدريس، وهذا علّة للاحتياط لكلّ نقّاد على كلام الشيخ؛ لأنّ فهم كلامه وادراك عباراته على أسلوب الدقّة واليقين أهمّ من الإشكال عليه؛ لأنّ كلّ تصديق صحيح يحتاج إلى التصوّر الكامل، والتصوّر لجميع جوانب كلام الشيخ مشكل، والنقد والردّ عليه بعده

(الصفحة 9)

*********

أصعب منه وإن كان الامكان والوقوع في الإشكال والاستكمال باق للغير وإن كان الشيخ شيخا بلا ريب والسبق واللحوق له سواء.

وبالجملة: أنّ الشيخ سند رسمي وحكم كلّي لعلمَي الفقه والأصول، وأنّه متن القدماء ومعتمد الأمّة من الابتداء والانتهاء في جميع الحوزات العلميّة، مع كثرة كتب الفقهيّة والجوامع الأصوليّة ووجود الأعاظم العلميّة بعد حضرته وقبله؛ ولكنّ الشيخ شيخ دائما وليس فوق كتبه من الرتبة والمقام كتاب، ومع هذا، الشيخ مع علوّ همّته وشوكة دولته لا يكون منحصرا في الباب، ولا يكون كتبه رشحات أفكاره فقط، بل الشيخ قد استفاد كثيرا من كتب القدماء والمتقدّمين وكلمات الفحول والمعاصرين، ومع هذا لا ختم في الباب، بل الباب مفتوح للداخلين، وهو سيرة الشيعة والإماميّة الإثناعشريّة في الاجتهاد والتحقيق.

ومن الردود التي وردت على مدرسته الفقهيّة إنحصاره بالأحكام التكليفيّة والوضعيّة فقط، والفقه هو العلم بكلّ ما ورد في الشرع من الأصول والفروع والأخلاق، فهو يرتبط بالموجود وما ليس بموجود في الكتب الفقهيّة وبالصحيح والفاسد والحَسَن والقبيح من الأفعال والأعمال، كما كان ذلك دأب القدماء في سالف الزمان، ويشعر بذلك ترتيب المباحث في كتبهم بإتيان عناوين المباحث الأصوليّة للدين ابتداءً وعنوان الفروع الفقهيّة بعدها، وأيضا يعنونون في كتبهم مباحث أصول الدّين أكثر من المباحث

(الصفحة 10)

*********

الفقهيّة، كما في المكاتيب الفقهيّة للقدماء أيضا يكون كذلك؛ أي: كثيرامّا يوردون المباحث الكلاميّة في خلال المباحث.

فَعَلى هذا، لا يناسب الفقه وفقه الشيعي خاصّةً لانجماد الفكر واللّعب بظاهر الألفاظ وحدةً مع الإشكالات التي عليها سعف، أو الاكتفاء بالقدر المتيقّن من الأحكام فقط والاحتياط أو الإجمال في الحكم والفتوى، وترك الآثار والمناطات بالكليّة، بل للفقه ثلاثة أركان:

الأوّل، فهم المعاني الشرعيّة والحقائق الدينيّة من الظواهر الصحيحة والمدارك المطمئنّة؛

والثاني، إدراك الموضوعات الخارجيّة والأمور الجزئيّة التي ترتبط بالأحكام؛

والثالث، فهم المناطات الواقعيّة وإدراك الغايات والمقاصد المطوية فيالأحكام الشرعيّة بلا قياس واستحسان أو المصالح المرسلة ـ الّلاتي هي دأب أهل السّنة في تحصيل الفتاوى.

فما قيل وما يعمل به في الفقه في القرون الماضية وفي مكتب الفقهي للشيخ الأعظم من أنّ تشخيص الموضوعات ليس من شأن الفقيه، لا يكون حقّا، وهو من إحدى الردود التي وردت على مكتبه، وهو كلام باطل جدّا وعقيدة مخرّبة لأذهان المسلمين والفقهاء، ويوجب الأمر في النهاية إلى اضمحلال النظام الاجتماعي لأهل الديانة، وانحصار الدين والأحكام الفقهيّة في

(الصفحة 11)

*********

قليل من الخواصّ وانجرارها إلى البيوت والأذهان المحدودة في الزوايا المتروكة من الحوزات العلميّة.

ولازم أيضا أن لا يختلط الفهم للمناطات والإدراك للغايات من الأحكام بالقياس والاستحسان أو المصالح المرسلة المخرِّبة للدين من أهل السنّة؛ لأنّ الإدراك للمقاصد غير أن يكون الفهم الجزئي مع الإعوجاج مصدرا لجعل الأحكام الشرعيّة، فالإدراك للحكم غير الجعل للحكم، وللفقيه؛ مضافا إلى الدقّة في فهم الأحكام وإدراك المقاصد والمناطات من الأحكام لازم أن يكون متحقّقا بالمبادي الفقهيّة وبما يكون دخيلاً في استنباط الأحكام الشرعيّة من المبادي للأحكام والأصول للفقه خاصّةً؛ ومن لم يكن متحقّقا بالمبادي الاجتهاديّة وما كانت له دخيلاً في قدرة الاستنباط حقّا، فما هو بفقيه، بل هو حافظ لما في ذُكره فقط، وإن كانت محفوظاته فوق ما في العوام من المقلّدين، بشيء أو أكثر.

فالفقيه هو صاحب صناعة التفقّه كما هو حقّه؛ مضافا إلى الحرّيّة العلميّة والعمليّة في الإدراك للمقاصد والمناطات للأحكام وفهم الموضوعات والخصوصيّات للأمور وللأشياء أيضا.

ومع الأسف، ما هو الموجود بين الفقهاء غير ما هو الحقّ في واقع الأمر؛ لأنّ الإفراط والتفريط في المقام موجود جدّا، بعض يهتّمون بالظواهر والقواعد والمدارك ويتركون المناطات وفهم الموضوعات، وبعض يميلون إلى رفض البعض أو الجميع ممّا

(الصفحة 12)

*********

تحتاج الصناعة إليه ويستقبلون الأمور الواردة إلى أذهانهم بصورة القياس أو الاستحسان في جعل الأحكام، وبعض يتمسّكون دائما بالأحوط والاحتياط بلا فحص كامل ويأس لازم ودقّة لازمة في الاستنباط.

ولهذا كان الفقه الموجود مليّا للإجمال والخلط بين الشقوق والأقسام، وأكثر موارد القول بالاحتياط والأحوط هو من جهة قلّة التحقيق، أو جمود الفكر في المصاديق والموضوعات، أو سوء الإدراك للمقاصد، أو ضعف الفكر والإرادة في اتّخاذ ما هو الحقّ في كلّ مقام؛ ومع الأسف، صار الأمر فيذلك الزمان واضحا في أنّ الموجودين من الفقهاء من الصدر إلى الذيل، توقّفوا أو تحيَّروا أو اختلفوا بكثرة الاختلاف في ما هو الحقّ، في كثير من الأبواب والمسائل، عاليةً أو دانيةً أو فرديةً واجتماعيّة كالمسائل الرئيسة حول الاقتصاد الإسلامي في قبال العالم الاستكباري، وكثير من المسائل الأخرى، فأكثر هذه المسائل، بل جميعها هو ذي شبهات كثيرة وإبهامات عجيبة وتناقضات واضحة للخواص، بل للعوام أيضا.

فبناءً على هذا، احتوت هذه التعليقة على مطالب هامّة واستنباطات حديثة تنبيء عن هذه المبادي الرئيسة في نظامنا الفقهيّة وما استأثر به وخلافاته مع المدرسة الفقهيّة الدارجة التي كان الشيخ الأعظم رحمه‏الله سندها.

(الصفحة 13)

*********

وفى ¨الختام نرجو من اللّه تعالى التوفيق، ومن الناظرين دعاء الخير وحسن العاقبة لأخيهم.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه‏ رب العالمين.

(الصفحة 14)

*********

 
 
footer